جائزة الباحث للرواية العلمية -الطبعة الثانية-

تلفّ المفارقة مصطلح “المتخيّل التاريخي”، حين يحيل إلى ما يجمعه في ذاته من دلالات متباينة؛ تشكّلها مفردة “المتخيّل” بما تحمله من دلالة المجازي والمصطنع والبعيد عن الواقع، ومفردة “التاريخ” بما هي الواقعة والحادثة بالمفهوم العام، والعلم بالمفهوم الخاص وهو الجمع الذي يبتغي بمفارقته إعادة إنتاج المعنى التاريخي الذي تنسب إليه الحقيقة بطريقة فنية جديدة، ما دام “استحضار الماضي يتطلّب فنّا إضافة إلى المعلومات” مثلما قال “هايدن وايت” وما دامت الحقيقة ذاتها مطلبا عزيزا وهدفا مشروطا لا يدّعي أحد امتلاكه ممن يبتغون فهم الماضي واستحضاره ومن ثمة إعادة تمثّله وإنتاجه.

يقتضي الحبك المخيّل للتاريخ من الروائي العودة إلى عالم الوقائع لأنّ تأليف نصه يقوم أساسا على فهم قبلي لما حدث، لأنّ إعادة تشكيل زمن تاريخي معين بوساطة زمن متخيّل، يجب أن تكون مؤسّسة ومؤطرة برؤيا واضحة مستمدة مما خَبِره الروائي حين تقصيه الأخبار ومعاينته للأحداث بعد ضبطها زمنا ومكانا، وإلاّ لم يستطع توصيف ما حدث، أو مساءلته، أو تجاوزه، ولذلك كان تخييل التاريخ أمرا ذا مشقة بالنسبة للروائي الذي لم يستطع تشكيل رؤية واضحة للأحداث التي يريد تخييلها، وفهما مخصوصا لها، وإحاطة بكلّ المرجعيات التي تؤسّس لها، وذلك بالرغم مما يقدّمه التاريخ المعلوم من مادة شبه جاهزة تنتظر الحبك.

         تنطلق الرواية المخيّلة للتاريخ من الخطاب التاريخي، إلاّ أنّها لا تفتأ وترفض سلطانه، فـ  ” لا تستنسخه بل تجري عليه ضروبا من التحويل حتى تخرج منه خطابا جديدا له مواصفات خاصة ورسالة تختلف اختلافا جذريا عن الرسالة التي جاء التاريخ مضطلعا بها”، وهو تحويل يتّكئ في عمومه على ما يتمتع به الروائي من حرية في اختيار وتشكيل مادته الحكائية المرجعية.