اتّحد الجزائريون ضدّ المحتل بعد أن أدركوا بأنّ المواجهة الفكرية هي الجبهة الأولى والمرجعية في مسار تفكيك عنف الاحتلال وتقويض خطابه المزيّف، وتمّ في سياق ذلك بناء مشروع المقاومة/ المقاومات في الأسّ الثّقافي وتاريخه ومجتمعه، ليكون المنطلق في إنتاج لحظة التّحرّر واسترجاع الكينونة الحضارية، وقد كان لأجل ذلك جهود وأفعال نهض بها رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مستويات فكرية وثقافية وتعليمية وتربوية وإصلاحيّة وفنيّة مختلفة، تبلورت لتبلغ حدّها في الخطاب السّياسي المعبّر عن مشروع ومشروعية استقلال وطنيّ مستحقّ يستعيد للأمّة الجزائرية مسارها وسيرورتها التي عمل الاحتلال على إعطابها وتوقيف جريانها.
يسعى هذا المنجز إلى السّؤال والبحث لاكتشاف منطلقات تلك الجهود ووصفها وتحليل فعاليتها في اشتغالها على الثّقافة الوطنية، وكيف استثمر نشاط الجمعية في استنهاض وبعث القوّة الحضارية واستجماع الوعي ووصله تاريخيا بجدارة الجزائريّ المؤمن بالوطن والوطنيّة، السّاعي إلى التّحرّر وترتيب مقوّمات وطنه لمرحلة تاريخية مستأنفة تقطع الصّلة مع عنف المعتدي، وتقف في تناظر يعيد معادلة الأنا والآخر إلى نصابها الحضاريّ وتفاعلها الصّحيح، وهو الفعل والمشروع الذي كان له الأثر في تجارب شعوب شقيقة وصديقة استلهمت وتمثّلت القيم العليا، والفكر الفعّال في مجابهة وإزاحة المشروع الكولونياليّ.