يطرح هذا الكتاب مشكلة التقنية وعلاقتها بالإنسان من وجهة نظر فلسفية، وهي من المشكلات المثارة في العصر الحديث بشكل لافت في الكتابات المعاصرة، لكن نجد أن مباشرة الكثير من الفلاسفة لهذه المسألة، يتمّ في الأغلب من خارج قضية التقنية ذاتها، وهذا الطرح هو الذي نعتقد بأنه شكّل التيار الأول في معالجة قضية التقنية، لتتموقع عندهم القضية في إطار نظري بحت، أين اقتصرت أغلب مقارباتهم على التّمظهرات التي تخلّفها العملية التقنية، دون أن تكون هذه التحليلات المقدمة قد انخرطت في الأساس الذي يقيّم هذا العمل وعلاقته بالحياة من حيث هي مبدأ.
هذا الموقع الذي ستأوي إليه أغلب تلك المقاربات تجاه قضية التّقنية، هو الذي نعتقد بأنه سيجعل أي طرح تقدمه أو تشير إليه، يكون متخندقا في تيار ينتصر لهذا الموقف دون ذاك، وهو موقف على أساسه ستصاغ الأسئلة التي تطرحها والأجوبة التي ستقدمها، ليكون هذا الموقف النّظري الصادر عن منابر غير متمكّنة من فعل الممارسة التقنية، قد ساهم في الغالب وإلى حد بعيد، في قلب تلك العلاقة القائمة بين التقنيّة والعلم داخل القول الفلسفي الذي يقارب هذه المسألة.